سورة سبأ - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)}
{القرى التى بَارَكْنَا فِيهَا} وهي قرى الشام {قُرًى ظاهرة} متواصلة؛ يرى بعضها من بعض لتقاربها، فهي ظاهرة لأعين الناظرين. أو راكبة متن الطريق: ظاهرة للسابلة؛ لم تبعد عن مسالكهم حتى تخفى عليهم {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير} قيل: كان الغادي منهم يقيل في قرية، والرائح يبيت في قرية إلى أن يبلغ الشام لا يخاف جوعاً ولا عطشاً ولا عدواً، ولا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء {سِيرُواْ فِيهَا} وقلنا لهم: سيروا؛ ولا قول ثم، ولكنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه؛ كأنهم أمروا بذلك وأذن لهم فيه.
فإن قلت: ما معنى قوله {لَيَالِىَ وَأَيَّاماً} قلت: معناه سيروا فيها، إن شئتم بالليل وإن شئتم بالنهار، فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات. أو سيروا فيها آمنين لا تخافون. وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت أياماً وليالي. أو سيروا فيها لياليكم وأيامكم مدة أعماركم، فإنكم في كل حين وزمان، لا تلقون فيها إلا الأمن. وقرئ: {ربنا باعد بين أسفارنا} وبعد. ويا ربنا، على الدعاء، بطروا النعمة، وبشموا من طيب العيش، وملوا العافية، فطلبوا الكد والتعب كما طلب بنو إسرائيل البصل والثوم مكان المنّ والسلوى، وقالوا: لو كان جنى جناننا أبعد كان أجدر أن نشتهيه، وتمنوا أن يجعل الله بينهم وبين الشأم مفاوز ليركبوا الرواحل فيها ويتزودوا الأزواد، فجعل الله لهم الإجابة. وقرئ: {ربنا بعِّد بين أسفارنا} وبعد بين أسفارنا على النداء، وإسناد الفعل إلى بين ورفعه به، كما تقول: سير فرسخان، وبوعد بين أسفارنا. وقرئ: {ربنا باعد بين أسفارنا} و {بين سفرنا} وبعد، برفع ربنا على الابتداء، والمعنى خلاف الأوّل، وهو استبعاد مسايرهم على قصرها ودنوّها لفرط تنعمهم وترفههم، كأنهم كانوا يتشاجون على ربهم ويتحازنون عليه {أَحَادِيثَ} يتحدّث الناس بهم، ويتعجبون من أحوالهم، وفرقناهم تفريقاً اتخذه الناس مثلاً مضروباً، يقولون: ذهبوا أيدي سبأ، وتفرقوا أيادي سبأ. قال كثير:
أَيَادِي سَبَا يَا عَزَّ مَا كُنْتُ بَعْدَكُمْ *** فَلَمْ يَحْلُ بَالْعَيْنَيْنِ بَعْدَكِ مَنْظَرُ
لحق غسان بالشأم، وأنمار بيثرب، وجذام بتهامة، والأزد بعمان، {صَبَّارٍ} عن المعاصي {شَكُورٍ} للنعم.


{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)}
قرئ: {صدّق} بالتشديد والتخفيف، ورفع إبليس ونصب الظن، فمن شدّد فعلى: حقق عليهم ظنه، أو وجده صادقاً؛ ومن خفف فعلى: صدّق في ظنه أو صدّق يظن ظناً، نحو فعلته جهدك، وبنصب إبليس ورفع الظنّ؛ فمن شدّد فعلى: وجد ظنه صادقاً؛ ومن حفف فعلى: قال له ظنه الصدق حين خيله إغواءهم، يقولون: صدقك ظنك، وبالتخفيف ورفعهما على: صدق عليهم ظن إبليس؛ ولو قرئ بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في صدق، كقوله: صدقت فيهم ظنوني، ومعناه: أنه حين وجد آدم ضعيف العزم قد أصغى إلى وسوسته قال: إنّ ذرّيته أضعف عزماً منه، فظنّ بهم اتباعه وقال: لأضلنهم لأغوينهم. وقيل: ظنّ ذلك عند إخبار الله تعالى الملائكة أنه يجعل فيها من يفسد فيها، والضمير في {عَلَيْهِمْ} و{اتبعوه} إماّ لأهل سبأ، أو لبني آدم. وقلل المؤمنين بقوله: {إِلاَّ فَرِيقاً} لأنهم قليل بالإضافة إلى الكفار، كما قال: {لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 62]، {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين} [الأعراف: 17]. {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ} من تسليط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء إلاّ لغرض صحيح وحكمة بينة، وذلك أن يتميز المؤمن بالآخرة من الشاك فيها. وعلل التسليط بالعلم والمراد ما تعلق به العلم. وقرئ: {ليعلم} على البناء للمفعول {حَفِيظٌ} محافظ عليه، وفعيل ومفاعل: متآخيان.


{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)}
{قُلِ} لمشركي قومك {ادعوا الذين} عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه كما تدعون الله. والتجئوا إليهم فيما يعروكم كما تلتجؤون إليه. وانتظروا استجابتهم لدعائكم ورحمتهم كما تنتظرون وأن يستجيب لكم ويرحمكم، ثم أجاب عنهم بقوله: {لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ} من خير أو شرّ، أو نفع أو ضرّ {فِى السماوات وَلاَ فِي الأرض وَمَا لَهُمْ} في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك، كقوله تعالى: {مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السموات والأرض} [الكهف: 51] وماله منهم من عوين يعينه على تدبير خلقه، يريد: أنهم على هذه الصفة من العجز والبعد عن أحوال الربوبية، فكيف يصحّ أن يُدْعوا كما يدعى ويُرجوا كما يرجى، فإن قلت: أين مفعولا زعم؟ قلت: أحدهما الضمير المحذوف الراجع منه إلى الموصول. وأمّا الثاني فلا يخلو إمّا أن يكون {مِن دُونِ الله} أو {لاَّ يَمْلِكُونَ} أو محذوفاً فلا يصحّ الأول، لأنّ قولك: هم من دون الله، لا يلتئم كلاماً، ولا الثاني، لأنهم ما كانوا يزعمون ذلك، فكيف يتكلمون بما هو حجة عليهم؛ وبما لو قالوه قالوا ما هو حق وتوحيد؟ فبقي أن يكون محذوفاً تقديره: زعمتموهم آلهة من دون الله فحذف الراجع إلى الموصول كما حذف في قوله: {أهذا الذى بَعَثَ الله رَسُولاً} [الفرقان: 41] استخفافاً، لطول الموصول لصلته، وحذف آلهة لأنه موصوف صفته {مِن دُونِ الله} والموصوف يجوز حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوماً، فإذاً مفعولا زعم محذوفان جميعاً بسببين مختلفين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8